جولة أمريكية بالموانئ المصرية تفتح آفاقًا جديدة للاستثمار وتعزز الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن

اقامت السفارة الامريكية بالقاهرة احتفالية بمناسبة انتهاء الجولة الامريكية التعريفية بالموانئ المصرية، و في كلمتها أكدت السفيرة الأمريكية بالقاهرة، هيرو مصطفى غارغ، على قوة ومتانة العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة ومصر، مشيرة إلى أن مصر تمثل أكبر سوق للولايات المتحدة في القارة الإفريقية، حيث تعمل أكثر من 1800 شركة أمريكية في مصر بما يعكس عمق الشراكة الاقتصادية بين البلدين. وأوضحت أن هذه الجولة لم تكن فقط للاحتفاء بما تحقق بالفعل، وإنما جاءت لتوسيع وتعميق التعاون في أحد أهم القطاعات الاستراتيجية وهو قطاع الموانئ.
وأضافت السفيرة أن الجولة، التي شملت موانئ الإسكندرية ودمياط وبورسعيد والعين السخنة، جاءت امتدادًا لخطوة سابقة اتخذتها الولايات المتحدة في أبريل الماضي، حين تم تنظيم اتصال مباشر بين الشركات الأمريكية والفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء ووزير التنمية الصناعية والنقل والصناعة، والمهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة، لمناقشة فرص الاستثمار في الموانئ المصرية. وأشارت إلى أن هذه المبادرة، التي لا تقوم بها الولايات المتحدة مع كثير من الدول، شكلت نقطة انطلاق لحوار أوسع أفضى إلى تنظيم الجولة الحالية، التي مكنت الشركات الأمريكية من الاطلاع على الفرص الاستثمارية بشكل مباشر وملموس.
وبيّنت غارغ أن الوفد الأمريكي ضم ممثلين من كل من مؤسسة التمويل الإنمائي الأمريكية (DFC) والوكالة الأمريكية للتجارة والتنمية (USTDA)، ما أتاح نقاشات معمقة حول فرص بناء القدرات، والبعثات التجارية العكسية، والتمويل الميسر للمشروعات. وأوضحت أن هذه اللقاءات لم تكن نظرية، بل ارتكزت على مشاهدات ميدانية أظهرت التطور السريع في الموانئ المصرية، بدءًا من ميناء الإسكندرية الذي يجمع بين تاريخ طويل من التقاليد البحرية وعمليات تحديث متواصلة، مرورًا بميناء دمياط الذي يشهد تحولًا لافتًا نحو الابتكار الذكي والرقمنة، وصولًا إلى بورسعيد التي تعكس موقعًا استراتيجيًا فريدًا عند مدخل قناة السويس، وانتهاءً بالعين السخنة التي تمثل قلب المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وبوابة المستقبل لما تمتلكه من إمكانات هائلة.
وشددت السفيرة الأمريكية على أن الولايات المتحدة لا تأتي لتفرض رؤيتها على مصر، بل لدعم رؤيتها الطموحة، مؤكدة أن الشركات الأمريكية المشاركة تتمتع بخبرة واسعة وقدرات رائدة في مجالات التكنولوجيا، والأمن، والخدمات اللوجستية، وإدارة الموانئ، ما يتيح لها تقديم حلول عملية تسهم في تحديث البنية التحتية، وتسهيل حركة التجارة، وتوسيع فرص الاستثمار والتوظيف. كما أعربت عن فخرها بأن الجولة أثمرت بالفعل عن أول صفقة استثمارية بين الجانبين، مؤكدة أن هذه الصفقة تمثل مجرد بداية لمزيد من التعاون المثمر الذي يعزز الازدهار المتبادل ويدعم الروابط الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة.
من جانبه، أكد وليد جمال الدين، رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أن الزيارة الأخيرة للسفيرة الأمريكية والوفد التجاري المرافق لها كانت بالغة الأهمية، إذ تولي الهيئة اهتمامًا خاصًا بتعزيز التعاون مع الشركات الأمريكية. وأوضح أن من أبرز المباحثات التي جرت خلال الزيارة كان الإعداد للجولة الترويجية للمنطقة الاقتصادية في الولايات المتحدة، والمتوقع عقدها قبل نهاية العام الجاري، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ستسهم في تعريف مجتمع الأعمال الأمريكي بالفرص الواعدة داخل المنطقة الاقتصادية.
وأضاف جمال الدين أن الزيارة تضمنت عرضًا متكاملًا للفرص الاستثمارية أمام الشركات الأمريكية المشاركة، التي قامت بجولات ميدانية في عدد من الموانئ التابعة للمنطقة الاقتصادية مثل شرق بورسعيد وغرب بورسعيد والعين السخنة، حيث اطلعت على الإمكانيات الكبيرة والبنية التحتية المتطورة والتحولات النوعية التي شهدتها هذه الموانئ خلال السنوات الأخيرة. وكشف أن إحدى الشركات الأمريكية وقعت بالفعل عقدًا لتقديم خدمات في أحد مشروعات ميناء السخنة، وهو ما يعكس نجاح الزيارة وجدوى التعاون المبكر مع الجانب الأمريكي.
وأشار إلى أن الزيارة مثلت فرصة لتعريف الشركات الأمريكية بإمكانات المنطقة الاقتصادية، مبينًا أن هذه الجولة ركزت بشكل رئيسي على الموانئ، بينما ستتناول الزيارات المقبلة المناطق الصناعية وآفاق التكامل بينها وبين الموانئ. وأوضح أن الوفد الأمريكي أبدى إعجابه بمستوى التطوير، خاصة في مجالات السكك الحديدية وشبكات الطرق والخدمات اللوجستية داخل الموانئ، مؤكدًا أن كثيرين من المشاركين لم يتوقعوا وجود مثل هذه المقومات المتقدمة في مصر.
ولفت رئيس الهيئة إلى الاتفاق مع السفيرة الأمريكية على تنظيم زيارات دورية مستقبلية تضم شركات أمريكية في قطاعات متنوعة، تشمل الصناعة، والخدمات، واللوجستيات، والبنية التحتية، بما يعزز من فرص التعاون. كما أشار إلى أن المنطقة الاقتصادية لا تقتصر على الموانئ والصناعة فحسب، بل تتيح كذلك فرصًا للاستثمار في البنية التحتية بالشراكة مع المستثمرين، ما يسهم في تخفيف العبء عن الدولة وتوسيع قاعدة الاستثمارات الأجنبية.
واختتم جمال الدين تصريحاته بالتأكيد على أن هذه الزيارة الناجحة ستفتح المجال لمزيد من التعاون مع الجانب الأمريكي خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن المنطقة الاقتصادية ستستفيد من الحوافز الاستثمارية المباشرة وغير المباشرة التي تقدمها، فضلًا عن موقعها الجغرافي الفريد وما شاهده الوفد الأمريكي بنفسه على أرض الواقع.
كما أعرب عمرو بدر، مدير الشؤون المؤسسية بشركة بكتل، عن فخر شركته بالمشاركة في الجولة التعريفية، موضحًا أن التعاون مع وزارة النقل والسفارة الأمريكية جعل من هذا الحدث فرصة مهمة لتعزيز التعاون بين مصر والولايات المتحدة في مجال تطوير الموانئ والبنية التحتية. وأكد أن “بكتل”، باعتبارها شركة أمريكية رائدة في مجال الهندسة وإدارة المشروعات، تمتلك خبرة واسعة في إنشاء الموانئ والبنية التحتية، حيث قامت بتنفيذ نحو 80 ميناء حول العالم. وأضاف أن هذه الجولة تمثل فرصة حقيقية لدعم رؤية مصر الطموحة في تحويل موانئها إلى مراكز محورية للتجارة الإقليمية والدولية.
وأشار بدر إلى أن “بكتل” سبق لها العمل مع الجهات الحكومية والسلطات المصرية في مشروعات كبرى، وحققت خلالها نتائج ملموسة ومتوافقة مع المعايير الدولية والأولويات الوطنية. وأكد أن الشركة مستعدة لمواصلة دعم مشروعات تطوير الموانئ في مصر من خلال خبراتها ونماذجها الناجحة، وبالتعاون الوثيق مع الشركات المصرية.
من جهته، أكد وليد فهمي، ممثل شركة سيسكو، أن شركته تتواجد بقوة في السوق المصرية سواء في الموانئ أو المطارات أو قطاعات أخرى. واعتبر أن الجولة مثلت فرصة مهمة للتواصل المباشر مع القيادات التنفيذية ومتخذي القرار، مشيرًا إلى أن النقاشات تطرقت إلى أربعة محاور رئيسية: استغلال البيانات الضخمة بالموانئ من خلال الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات ذكية، تعزيز الأمن السيبراني لحماية الموانئ الرقمية، تحسين الأداء عبر التكنولوجيا الذكية مثل أنظمة المسح الضوئي والكاميرات، وأخيرًا رفع القدرة التنافسية للموانئ عبر تسريع الخدمات وتقليل وقت المناولة.
وكشف فهمي أنه سيتم عقد ورش عمل لمتابعة ما تم التوصل إليه خلال الجولة، مع إطلاق تشغيل تجريبي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في ميناء الإسكندرية كنموذج أولي، قبل تعميمه لاحقًا على بقية الموانئ المصرية. وأكد أن العائد من الاستثمار في التكنولوجيا يفوق بكثير تكلفته، معتبرًا أن هذه الخطوة ستجعل الموانئ المصرية في مصاف الموانئ الذكية الرائدة عالميًا.
وفي ختام الجولة، أجمع المشاركون من الجانبين المصري والأمريكي على أن هذه المبادرة تشكل نقطة انطلاق جديدة لتعزيز التعاون الثنائي في قطاع الموانئ والبنية التحتية، بما يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية لمصر ويدعم الشراكة الاستراتيجية الممتدة بين القاهرة وواشنطن



